وتقدم في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة " (أخرجه أحمد والترمذي وحسنه) وتقدم في هذا توسل أصحاب الغار بما قدموا من عمل صالح .
ب- التوسل إلى الله تعالى مستشفعا بأحد من الأحياء فيما يطلبه العبد من ربه وهو جائز اتفاقا روى أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسق بالعباس بن عبد المطلب فقال : " اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا قال فيسقون " (أخرجه البخاري) .
قال الحافظ : ويستفاد من قصة العباس استحباب الاستشفاع بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة روى أن معاوية خرج يستسق ، فلما جلس على المنبر قال : أين يزيد بن الأسود الجرش؟ فقام يزيد فدعاه معاوية فأجلسه أمامه ثم قال : اللهم إنا نستشفع إليك بخيرنا وأفضلنا يزيد ابن الأسود يا يزيد ارفع يديك ، فرفع يديه ودعا الله تعالى فثارت في الغرب سحابة مثل الترس وهب لها ريح فسقوا حتى كادوا لا يبلغوا منازلهم واستسقى به الضحاك مرة أخرى (ذكره ابن قدامة) ، وقد كان توسلهم بمن ذكر أن يدعو المتوسل به ويدعوا معه فهو شفيع لهم وسائل لا مسئول بل المسئول والمقصود هو الله تعالى .
(جـ) التوسل إلى الله تعالى بالإقسام عليه بأحد من خلقه كأن يقول : أقسمت عليك يا الله بفلان الصالح ، وهو ممنوع عند الجمهور لأنه لم يقع من الصحابة رضي الله عنهم في الاستسقاء ونحوه لا في حال حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولا بعد موته ولم يثبت في دعاء من الأدعية الصحيحة ، وأفتى العز بن عبد السلام بمنعه في غير النبي صلى الله عليه وسلم مستدلا بحديث عثمان بن حنيف أن رجلا ضريرا أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ادع الله أن يعافيني قال : إن شئتُ دعوتُ وإن شئتَ صبرتَ فهو خير لك قال فادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلى ركعتين ويدعو بهذا الدعاء (اللهم أنى أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة يا محمد إني قد توجهت بك إلى ربى في حاجتي هذه لتقضى اللهم فشفعه في) " (أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه وقال حديث صحيح ، والحاكم وزاد فدعا بهذا فقام وقد أبصر ، وقال صحيح على شرط الشيخين ، والترمذي وقال حسن صحيح) .
قال الشوكاني : الحديث صحيح وصححه أيضا ابن خزيمة ، وفيه دليل على جواز التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو الله تعالى وأنه المعطى المناع ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، فقوله في الحديث : أسألك وأتوجه إليك بنبيك سؤال بالذات وقسم ، ومنعه ابن تيمية وغيره من الحنبلية مطلقا وقالوا : الباء في قوله أتوجه إليك بنبيك للسببية لا للقسم ، والمعنى أسألك وأتوجه إليك بسبب محمد صلى الله عليه وسلم فهو من التوسل بمعنى الشفاعة .
ومنه يعلم أن التوسل المشروع بالاتفاق هو التوسل بالعمل الصالح وبالغير على أنه شفيع وسائل لا مسئول بل المسئول هو الله تعالى لأنه هو الضار النافع المعطى المانع ، وأما ما يقع من العوام وأشباههم مخالفا لذلك فغير مشروع تري أحدهم إذا نزل به أمر خطير ترك دعاء الله تعالى ودعا غيره فينادى بعض الأولياء كالسيد الدسوقي والسيدة زينب والشافعي والرفاعي والبيومي ، ومنه قول بعض العامة (العارف لا يعرف والشكوى لأهل البصيرة عيب) وقولهم : ( سقت فلانا عليك يا رب وتوسلت إليك بجاه الولي فلان أو بمقامه ) ، فهذا عمل مذموم يجب البعد عنه وهو لا يبلغ حد الكفر إن كان المتوسل يعتقد في المتوسل به أنه سبب عادى فقط ، أما إذا كان يعتقد أنه لا يحصل المطلوب إلا به ولا يجيب الله دعاء العبد إلا إذا طلب ذلك من المتوسل بهم كان كفراً والعياذ بالله تعالى .
قال الشوكاني في الدر النضيد : فإن قلت إن هؤلاء القبوريين يعتقدون أن الله تعالى هو الضار النافع والخير والشر بيده وإن استغاثوا بالأموات قصدوا إنجاز ما يطلبونه من الله قلت وهكذا كانت الجاهلية فإنهم كانوا يعلمون أن الله هو الضار النافع ، وإنما عبدوا أصنامهم لتقربهم إلى الله زلفى ، ومن زعم أنه لم يقع منه إلا مجرد التوسل وهو يعتقد من تعظيم ذلك الميت ما لا يجوز اعتقاده في أحد من المخلوقين ويتقرب إلى الأموات بالذبائح والنذور ويناديهم مستغيثاً بهم عند الحاجة فهذا كاذب في دعواه أنه متوسل فقط (الدين الخالص ج 6 ص 16) .وأما حديث (توسلوا بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم) فقد تعرض له ابن تيمية بروايات أخرى قال : " وروى بعض الجهال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا سألتم الله فاسألوه بجاهي فإن جاهي عند الله عظيم) وهذا الحديث كذب ليس في شئ من كتب المسلمين التي يعتمد عليها أهل الحديث مع أن جاهه صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى أعظم من جاه جميع الأنبياء والمرسلين وقال : وقد تقدم أن ما يذكره بعض العامة من قوله صلى الله عليه وسلم (إذا كانت لكم حاجة فاسألوا الله بجاهي) حديث باطل لم يروه أحد من أهل العلم ولا هو في شئ من كتب الحديث ، وقال : وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور فاستعينوا بأهل القبور) فهو حديث كذب مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم بإجماع العارفين بحديثة ولم يروه أحد من العلماء ولا يوجد في شئ من كتب الحديث المعتمدة (التوسل والوسيلة) ص 148 .